منتديات لهفة مطر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةالتسجيلأحدث الصوردخول

 

 بين التوكل والتوحيد

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
الشرقاوي
" عضو نشيط جداً "
بين التوكل والتوحيد Rating13
الشرقاوي


عدد الرسائل : 463
العمر : 71
الجنس : ذكر
البلد : مغربي واقيم بفرنسا
الوظيفة : عامل
مزاجي : بين التوكل والتوحيد 2611
تاريخ التسجيل : 21/02/2008

بين التوكل والتوحيد Empty
مُساهمةموضوع: بين التوكل والتوحيد   بين التوكل والتوحيد Emptyالأحد 02 مارس 2008, 5:46 am

بين التوكل والتوحيد



إن الله عز وجل حين أنزل إلينا هذا الدين القيم.. عَّلمنا أن له أصولاً، وأن لكل أصل فروعاً تتفرع عنه، وإن أعظم أصول هذا الدين على الإطلاق هو التوحيد.. فهو مدار الرسالات.. وهدفها الذي أُنزلت من أجل تحقيقه، والمتأمل في فروع هذا الأصل العظيم.. يجد أن أعظمها على الإطلاق هو التوكل.. فهو الدليل العملي الواقعي على رسوخ حقيقة التوحيد في قلب العبد.

ولكي نتبين هذه العلاقة القوية بين التوكل والتوحيد.. وأنه لا يتم للعبد كمال توحيده حتى يعيش قلبه معنى التوكل.. فلنطوِّف قليلاً في آفاق القرآن والسنة وأقوال الأئمة.

ففي فاتحة الكتاب.. نجد قول الله –عز وجل- :﴿إياك نعبد﴾ أي: إياك وحدك نُفرد بالعبادة وهو التوحيد، ﴿وإياك نستعين﴾ أي: لا نستعين إلا بك وهو من مقتضى التوحيد.


وكذلك حين نقرأ سورة "الزمر" تجدها تدور حول محور واحد وهو الإخلاص أو التوحيد [1].. وتجد ذلك في مطلعها إذ يقول الحق تبارك وتعالى:﴿إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصاً له الدين● ألا لله الدين الخالص﴾(الزمر:2-3) ثم تعرج الآيات على نفي الشريك فيقول سبحانه : ﴿والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كَفَّار﴾(الزمر:3).

ثم تعرج بعد ذلك على نفي الولد.. فيقول سبحانه:﴿لو أراد الله أن يتخذ ولداً لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار﴾(الزمر:4).

وتستمر الآيات في عرض هذه الحقيقة-حقيقة التوحيد- وإقامة الأدلة والبراهين عليها، حتى تطالعنا خواتيم السورة بخطاب مَهيب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يقول فيه تعالى:﴿قل: أفغير الله تأمرونِّي أعبد أيها الجاهلون●ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطنَّ عملك ولتكوننَّ من الخاسرين● بل الله فاعبد وكن من الشاكرين﴾(الزمر:64-66).

أقول هذا لنعلم مدى تركيز هذه السورة الكريمة على الحديث عن التوحيد، لنعلم بعد ذلك كيف كان للتوكل نصيب خاص في هذه السورة يؤكد ارتباطه بالتوحيد ارتباطا وثيقاً، وذلك في قوله تعالى:﴿أليس الله بكافٍ عبده﴾ إلى قوله عز وجل:﴿فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يُخزيه ويحل عليه عذاب مقيم﴾(الزمر:36-40).

يقول الأستاذ سيد قطب-رحمه الله- في ظلال هذه الآيات الكريمة:

"هذه الآيات الخمس تصور منطق الإيمان الصحيح، في بساطته..وقوته..ووضوحه..وعمقه، كما هو في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما ينبغي أن يكون في قلب كل مؤمن برسالته وكل قائم بدعوته، وهي تصور حقيقة المعركة بين الداعية إلى الحق وكل من في الأرض من قُوىً مضادة، كما تصور الثقة واليقين والطمأنينة في القلب المؤمن، بعد وزن هذه القُوى بميزانها الصحيح.

﴿أليس الله بكاف عبده؟﴾ بلى، فمن ذا يخيفه؟! وماذا يخيفه إذا كان الله معه؟! وإذا كان هو قد اتخذ مقام العبودية.. وقام بحق هذا المقام؟! [2] ، ومن ذا يشك في كفاية الله لعبده وهو القوي القاهر فوق عباده؟!

﴿ويخوفونك بالذين من دونه!﴾ فكيف يخاف؟ والذين مِن دون الله لا يُخيفون من يحرسه الله، وهل في الأرض كلها إلا من هم دون الله؟!

إنها قضية بسيطة واضحة، لا تحتاج إلى كد ذهن، إنه الله (الذي يكفي عبده) ومن هم دون الله (الذين يخوفونه)، وحين يكون هذا هو الموقف..لا يبقى هناك شك..ولا يكون هناك اشتباه.

(ولكن ينبغي أن نوضح هنا نقطة هامة، وهي أن كفاية الله لعبده لا تكون بتحقيق ما يريده العبد لنفسه من أمن أو غنى أو حفظ للحياة، وإنما تكون بما يريده الله لعبده من الخير.. علمه العبد أم لم يعلمه، فقد قال تعالى في الحديث القدسي:" إن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الفقر وإن بسطت عليه أفسده ذلك، وإن من عبادي من لا يصلح حاله إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الصحة ولو أسقمته لأفسده ذلك، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا السقم ولو أصححته لأفسده ذلك، وإن من عبادي من يطلب باباً من العبادة فأكفه عنه لكيلا يدخله العُجب، إني أدبر أمر عبادي بعلمي ما في قلوبهم.. إني عليم خبير" [3].

وتلاحظ في الحديث أن أهم ما يريد الله لعبده هو صلاح الإيمان، فعليه مدار أمره كله في دنياه وآخرته، وإن أعظم كفاية من الله لعبده أن يحفظ عليه إيمانه حتى يلقاه لا يشرك به شيئاً).

وإرادة الله هي النافذة، ومشيئته هي الغالبة، وهو الذي يقضي في العباد قضاءه في ذوات أنفسهم وفي حركات قلوبهم ومشاعرهم (في قضية الهدى والضلال) ﴿ومن يُضلل الله فما له من هادٍ ومن يهدِ اللهُ فما له من مُضِل﴾ ، وهو يعلم من يستحق الضلال فيضله.. ومن يستحق الهدى فيهديه.. فإذا قضى بقضائه هكذا أو هكذا فلا مُبَدِّل لما يشاء، ﴿أليس الله بعزيز ذي انتقام﴾؟ بلى.. وإنه لينتقم ممن يستحق الانتقام.

(وهنا ينبغي أن نُفصِّل قضية الضلالة والهدي، فإن الله تعالى يهدي من يشاء بفضله، ويُضل من يشاء بعدله، فعندما خلق الله الإنسان خلقه صالحاً لقبول الخير والشر على قدر سواء، فمن اختار طريق الهدى يُعينه ويزيده هدى.. وذلك فضله، أما من اختار طريق الضلالة بكامل إرادته ويصر على ذلك فإن الله يحقق له ما يريد فيمد له في الضلالة..وذلك عدله.

فمن احتج بمثل قوله تعالى:﴿وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله﴾(يونس:100) نقول إن معنى الآية:"أن النفس لا تصل إلى الإيمان إلا إذا سارت وفق إذن الله وسنته في الوصول إليه.. من إعمال للعقل في آيات الله الكونية والقرآنية، وعندئذ يهديها الله، ويقع لها الإيمان بإذنه جزاء ما جاهدت فيه لتهتدي، ويدل على هذا المعنى بقية الآية:﴿ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون﴾ فالذين عطلوا عقولهم عن التدبر..يجعل الرجس عليهم، والرجس أبشع الدنس الروحي، فهؤلاء ينالهم ذلك الرجس بسبب تعطيلهم لمداركهم عن التعقل والتدبر.. وانتهاؤهم بهذا إلى التكذيب والكفران" [4].

وأما من احتج بمثل قوله تعالى:﴿ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا﴾(يونس:99) نقول: إن هذا يكون بسلب الاختيار منهم، أما وقد أعطاهم حق الاختيار فإن كلاً منهم مسئول عن اختياره، وإن كان في اختياره هذا –سواء اختار الإيمان أو الكفر- لم يخرج عن مشيئة الله لأنه هو الذي أعطاه حق الاختيار).

ثم يقرر هذه الحقيقة في صورة أخرى منتَزَعة من منطقهم هم أنفسهم، ومن واقع ما يقررونه من حقيقة الله في فطرتهم:﴿ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولُنَّ الله.. قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادنِيَ الله بضُر هل هُنَّ كاشفات ضُره.. أو أرادني الله برحمة هل هن ممسكات رحمته؟ قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون﴾.

لقد كانوا يقررون -حين يُسألون- أن الله هو خالق السموات والأرض، فهو يأخذهم ويأخذ العقلاء بهذه الحقيقة الفطرية الواضحة، إذا كان الله هو خالق السموات والأرض.. فهل يملك أحد أو شيء في هذه السموات والأرض أن يكشف ضراً أراد الله أن يصيب به عبداً من عباده؟! والجواب القاطع: أن لا، فإذا تقرر ذلك.. فما الذي يخشاه داعية إلى الله؟! وما الذي يرجوه؟! وليس أحد بكاشف الضر عنه.. وليس أحد بمانع الرحمة عنه؟! وما الذي يقلقه أو يخيفه أو يصده عن طريقه؟!

إنه متى استقرت هذه الحقيقة في قلب مؤمن فقد انتهى الأمر بالنسبة إليه، وقد انقطع الجدل وانقطع الخوف.. وانقطع الأمل إلا في جناب الله سبحانه.. فهو كافٍ عبده، والعبد يتوكل عليه وحده:﴿قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون﴾.

ثم إنها الطمأنينة -بعد هذا-والثقة واليقين، الطمأنينة التي لا تخاف.. والثقة التي لا تقلق.. واليقين الذي لا يتزعزع.. والمضي في الطريق على ثقة بنهاية الطريق:﴿قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم﴾" [5]انتهى.

وكذلك عندما تحدث الإمام المقدسي-رحمه الله- عن ارتباط التوكل بالتوحيد قال:"والتوكل يبتني على التوحيد [6] والتوحيد طبقات: منها أن يصدق القلب بالوحدانية المترجم عنها قولك: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، فيصدق بهذا اللفظ ولكن من غير معرفة دليل، فهذا اعتقاد العامة.

والثانية أن يرى الأشياء المختلفة (ويرى مدى ترابطها بعضها ببعض) فيراها صادرة عن الواحد وهذا مقام المقربين [7]

والثالثة أن الإنسان إذا انكشف عن بصيرته أن لا فاعل سوى الله لم ينظر إلى غيره، بل يكون منه الخوف وله الرجاء، وبه الثقة وعليه التوكل، لأنه في الحقيقة هو الفاعل وحده، فسبحانه.. والكل مسخرون له، فلا يعتمد على المطر في خروج الزرع، ولا على الغيم في نزول المطر، ولا على الريح في سير السفينة، فإن الاعتماد على ذلك جهل بحقيقة الأمور، ومن انكشفت له الحقائق علم أن الريح لا تتحرك بنفسها وأنه لابد لها من محرك، فالتفات العبد في النجاة إلى الريح يضاهي التفات مَن أُخذ لتضرب عنقه، فوقع له الملك بالعفو عنه، فأخذ يشتغل بذكر الحبر والكاغد [8] والقلم الذي كُتب به التوقيع ويقول: لولا هذا القلم ما تخلصت، فيرى نجاته من القلم لا من محرك القلم، وهذا غاية الجهل، ومن علم أن القلم لا حكم له في نفسه شكر الكاتب دون القلم، وكل المخلوقات في قهر تسخير الخالق أبلغ من القلم في يد الكاتب، فسبحان مسبب الأسباب الفعال لما يريد" [9].

وأيضاً حين نطالع سيرة الركب الكريم من الأنبياء مع أقوامهم نجدهم جميعاً يدعون إلى شيء واحد هو التوحيد، قال تعالى:﴿ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت﴾(النحل:36) ً وفي معرض الحوار بين كل نبي وقومه نجد هذا الأمر يتكرر بحيث لا يتخلف عن أحدهم وهذا الأمر هو﴿يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره﴾(المؤمنون:23) وبذلك ندرك طبيعة الرسالة التي جاء بها هؤلاء الرسل الكرام.

ولأن التوكل على الله لا ينفك عن التوحيد.. نجد أنهم كانوا يأمرون أقوامهم بالتوكل بعد أن يستجيبوا للأمر بالتوحيد.. فهذا نبي الله موسى-عليه السلام- يقول لقومه حين اشتد بهم الأذى:﴿يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين● فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين﴾(يونس:84-85) وفي موضع آخر يقول لهم:﴿استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين﴾(الأعراف:128).

وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يروي عنه جابر –رضي الله عنه- فيقول:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن" [10].

ونجده صلى الله عليه وسلم يرسخ هذه الحقيقة في نفس الغلام ابن عباس-رضي الله عنهما- فيقول له:"يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وجفت الصحف" [11] وفي رواية أخرى:"تعرَّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك".

فانظر إلى أي مدى كان حرص هؤلاء الرسل الكرام على ترسيخ هذا المعنى في قلوب أتباعهم.. ولا عجب في ذلك فإن ذلك من صميم رسالتهم التي أُرسلوا بها من عند الله عز وجل.. رسالة التوحيد.

وكما أن التوكل من مقتضيات التوحيد.. فإن إرجاع الفاعلية في الكون إلى غير الله ونسبة النفع أو الضر إلى غير الله منافٍ لعقيدة التوحيد، فقد أخرج البخاري في صحيحه عن زيد بن خالد الجهني-رضي الله عنه-قال:"صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح في الحديبية على إثر سماء (مطر) كانت من الليلة، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم أقبل على الناس فقال لهم: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مُطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب" [12]

قال القسطلاني في شرح الحديث:"في قوله-عز شأنه-: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر" أي كفر إشراك لمقابلته للإيمان، أو كفر نعمة بدلالة ما في رواية مسلم:"قال الله: ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين" والإضافة في "عبادي" للملك لا للتشريف.

"وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا" أي بكوكب كذا معتقداً ما كان عليه بعض أهل الشرك من إضافة المطر إلى النوء وأن المطر كان من أجل أن الكوكب "ناء" أي سقط وغاب أو نهض وطلع، وأنه هو الذي هاج المطر.

"فذلك كافر بي" لأن النوء وقت، والوقت مخلوق، ولا يملك لنفسه ولا لغيره شيئاً، ومن قال: مطرنا في وقت كذا فلا يكون كافراً (فذكر الوقت على سبيل اعتياد نزول المطر مع وقت معين مع الإيمان بأن الله هو الذي أنزله لا شيء فيه)، أما من انتظر المطر من الأنواء على أنها فاعلة من دون الله فهو كافر [13]، ومن اعتقد أنها فاعلة بما جعل الله فيها فهو كافر لأنه لا يصح الخلق والأمر إلا لله تعالى كما قال تعالى ﴿ألا له الخلق والأمر﴾(الأعراف:54)" [14].

أي لا يصح أن ينسب إلى الأنواء فعلاً مطلقاً حتى لو قال إنها فعلت بما جعل الله فيها، فحتى لو جعل الله فيها أسباب الفعل فإنها لا تفعل شيئاً إلا بأمر الله، وهذا هو المقصود والله أعلم.

ويقع اليوم زلزال بعد زلزال، ويتفجر بركان بعد بركان، ويهب إعصار إثر إعصار.. عذاب يعذب الله به من عصاه وحاد عن منهجه، مصداقاً لقوله تعالى:﴿ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريباً من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد﴾(الرعد:31) وقوله تعالى:﴿وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير﴾(الشورى:30) ثم يطلع علينا بعد ذلك من ينسب هذه الأفعال على الطبيعة ويسمونها كوارث طبيعية!! وينسون رب الأرض والسماء.. خالق القوانين والنواميس.. الذي لا يقع شيء في كونه إلا بإذنه وتقديره.. فسبحانه عما يشركون.

وصورة أخرى من صور الشرك الناتج عن إرجاع الفاعلية إلى غير الله.. تلك التمائم [15] التي يعلقها الناس في أعناقهم أو سياراتهم أو بيوتهم، وهو أمر قد عمَّت به البلوى حتى إنك لا تكاد تجد سيارة في طريق إلا وفيها تميمة، ولا تكاد تدخل بيتاً من بيوت الأغنياء إلا وترى فيه تميمة، وكأن هذه التمائم هي التي تحمي صاحبها من الحسد أو تدفع عنه شر السحر، وهذا جهل محض بحقائق الأمور، لأن الله عز وجل قد احتفظ لنفسه بإذن الضر في السحر والحسد .. فأما عن السحر فقد قال عز وجل:﴿وما هم بضارِّين به من أحد إلا بإذن الله﴾(البقرة:102)، وأما عن الحسد فقد أمر الله عز وجل أن نستعيذ به وحده منه.. وهذا دليل على أن الحسد لا يصيب إلا بإذن الله.. فقال تعالى:﴿قل أعوذ برب الفلق● من شر ما خلق● ومن شر غاسق إذا وقب● ومن شر النفاثات في العقد● ومن شر حاسد إذا حسد﴾(سورة الفلق).

ولكن من ضعف يقينه في الله تعلق قلبه بأشياء واهية لا تنفع وإنما تضر، وضررها عظيم وخطير، إذ أنها تطعن في كمال التوحيد.. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من تعلق تميمة فقد أشرك" [16]، وقال أيضاً:"إن الرقى والتمائم والتِّوَلة شرك" [17]

وقد أجمع علماء الأمة على أن التمائم منهيٌ عنها مطلقاً سواء أكانت تميمة خالصة أو تميمة فيها ذكر لله لأنها لا تخلو من الشرك.

أما إذا كان المعلق ذكر لله بغير تميمة فقد اختلف فيه العلماء، ورخص فيه بعض السلف غير أن الجمهور- ومنهم ابن مسعود وابن عباس- قد قالوا بعدم جواز ذلك [18].

وعلى هذا فمن أراد أن يحفظ نفسه أو سيارته أو بيته من العين ومن السحر فليتق الله وليستعن به وليتوكل عليه [19]، وليدع هذه الشركيات التي لا تنفع صاحبها شيئاً.. وليحذر أن يكله الله إلى ما علق من تمائم كما قال صلى الله عليه وسلم:"من تعلق شيئاً وُكِلَ إليه" [20]، وليحذر كذلك أن يصيبه دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من تعلق تميمة فلا أتم الله له" [21].

فليحترز كل مسلم لدينه، وليحافظ على أغلى ما أوتي في هذه الحياة ألا وهو التوحيد، وليعلم أن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وما أصابه لم يكن ليخطئه، لأن الأمور تسير بالمقادير، والمقادير بيد الله عز وجل يُصرفها كيف يشاء:﴿إن الحكم إلا لله أمر ألاّ تعبدوا إلا إياه﴾(يوسف:40) ﴿إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون﴾(يوسف:67).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حياة القلوب
"مراقبة الإجتماعية"
بين التوكل والتوحيد 08jeqk10
حياة القلوب


عدد الرسائل : 5490
العمر : 39
الجنس : أنثى
البلد : السعودية
الوظيفة : طالبة
مزاجي : بين التوكل والتوحيد 2611
أوسمة العضو : بين التوكل والتوحيد Bossor10
تاريخ التسجيل : 20/11/2007

بين التوكل والتوحيد Empty
مُساهمةموضوع: رد: بين التوكل والتوحيد   بين التوكل والتوحيد Emptyالأحد 02 مارس 2008, 6:35 am

جزاك الله خير اخوي على الموضوع


بارك الله فيك


wageh_011
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الحزين
:: مدير الموقع ::
:: مدير الموقع ::
الحزين


عدد الرسائل : 4282
العمر : 41
الجنس : ذكر
البلد : بلد الحزن
الوظيفة : دعم فني شامل
دعـــــاء : بين التوكل والتوحيد 1cd9c82424
مزاجي : بين التوكل والتوحيد 2611
تاريخ التسجيل : 18/11/2007

بين التوكل والتوحيد Empty
مُساهمةموضوع: رد: بين التوكل والتوحيد   بين التوكل والتوحيد Emptyالأحد 02 مارس 2008, 11:28 am

eeqeqw
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الشرقاوي
" عضو نشيط جداً "
بين التوكل والتوحيد Rating13
الشرقاوي


عدد الرسائل : 463
العمر : 71
الجنس : ذكر
البلد : مغربي واقيم بفرنسا
الوظيفة : عامل
مزاجي : بين التوكل والتوحيد 2611
تاريخ التسجيل : 21/02/2008

بين التوكل والتوحيد Empty
مُساهمةموضوع: رد: بين التوكل والتوحيد   بين التوكل والتوحيد Emptyالأحد 02 مارس 2008, 5:25 pm

حياة

اسال الله عز وجل ان يتقبل منا صالح اعمالنا

واليك الشكر الجزيل على مرورك العطر اختي الكريمة

دمت لنا بود
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الشرقاوي
" عضو نشيط جداً "
بين التوكل والتوحيد Rating13
الشرقاوي


عدد الرسائل : 463
العمر : 71
الجنس : ذكر
البلد : مغربي واقيم بفرنسا
الوظيفة : عامل
مزاجي : بين التوكل والتوحيد 2611
تاريخ التسجيل : 21/02/2008

بين التوكل والتوحيد Empty
مُساهمةموضوع: رد: بين التوكل والتوحيد   بين التوكل والتوحيد Emptyالأحد 02 مارس 2008, 5:26 pm

الحزين

اسال الله عز وجل ان يتقبل منا صالح اعمالنا

واليك الشكر الجزيل على مرورك العطر اخي الكريم

دمت لنا بود
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
بين التوكل والتوحيد
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات لهفة مطر :: 


_.·"_.·"((المنتديات العـامة))"·._"·._


 :: المنتدى الإسلامي
-
انتقل الى: