بسم الله الرحمن الرحيم
.............................
هذي قصة قريتها فحبيت انقلها لكم
:)
...............................
عاد الغلام إلى منزله .جلس في حجرته ُوحيداً بعد أن تورمت قدماه ُ سيراً في الطريق بحثاً عن القلب القديم .
كم كان يشعر بأن قلبهُ سُلب منهُ .فكان يخرج كالفراشة الحائرة التي تبحث عن رحيق الزهر في خريف العمر.
كان يفتش في الطرقات . في الأسواق . في صدور الناس . يحاول أن يستعيد قلبه ُ القديم الذي كان لا يحمل من أثر الحياه سوى نقائها ولحظات الحب فيها .
وهناك على الطريق وجد كهلاً عجوزاً يجلس إلى ضفاف جدول ٍ صغير على وجههِ آثارٌ لأقدام السنين وهي تسطو بقسوة عليه ِ .
عيناه ُ شاحبتان مبللتان بالدموع .
يتأمل في سماء الكون.
يهمس صوتهُ في حزن بكلماتٍ خافته كأنهُ يشكوُ لربه ِ بؤس حاله .
فذهب الغلام إليه ثم قال السلام عليك يا سيدي
قال العجوز ....وعليك السلام يا بني
الغلام .....أتعَبتني قدماي فلم أعد أقوى على السير. فهل أجلس قليلاً إليك؟.
العجوز .....تفضل يا بني .كم تبلغ من العمر؟
الغلام .....خمسة وعشرين عاما
إبتسم العجوز إبتسامة رقيقة وقال لذلك فأنت أكبر مني بكثير
ضحك الغلام وقال ....أكبر منك؟
العجوز ....نعم فأنا لا أحسب عمري بقدر ما عشت من السنين بل بقدر كل دقيقة شعرت فيها بآدميتي .
وطهارة قلبي.
وصدق مشاعري .
ووجودي مع الله .
فكثير منا يستسلم إلى الحياه فتعبث به كما يعبث الطفل بلعبته .
وتحركة كما نحرك خيوط العرائس في المسرح ليسعد بها الجمهور فيصبح بذالك ميتاً لأنهُ فقد قيمتهُ وإن كان يأكل ويشرب وينام .
وهناك بين القبور أحياء مازلنا نراهم في أعماقنا ونأنس بهم في وحدتنا دائماً.
فبعض الحياه تكون الموت وبعض الموت يكون الحياه .
ولذلك فأنا صغير جداً ربما لا يتعدى عمري عاماً واحداً.
قال الغلام بعد أن تعلقت بعيناه دمعةٌ حائرة لا هي نزلت فتخلص منها ولا عادت فتستكين مكانها
... معك حق يا سيدي فمازلت ُ أذكر وجه جدي .وطيبة قلبه . إنني حقاً لا أشعر أنه ُ رحل مازلت أسمع صوتهُ يهز جدران البيت القديم .
قال العجوز ...لا تحزن يا بني فالأشياء النفيسة تظل قيمتها في اعماقنا وإن لم تكن بين أيدينا أو أمام أعيننا .
الأشياء النفيسة سوف نذكر دائماًُ أننا خسرنا إذا إفتقدناها .
إبتسم الغلام وهو يحاول إلمام دموعة التي تساقطت فرحاً لظنه ُ أنهُ وجد من يساعده ويشعر به
..... ثم قال بفرحه .... نعم يا سيدي الأشياء النفيسة دائماً نذكر أننا خسرنا عندما إفتقدناها .
ولقد فقدت أغلى ما عندي في يوم .
إفتقدت قلبي .
فصرت أحمل قلباً آخر .
لا أعرفهُ ولا يعرفني . توقفت دقاته فصار ميتاً لا يشعر بي .
قد صار حجراً في صدري .
فهل لك أن تساعدني فأعود بقلبي القديم ؟
مازلت ُ أذكر رقتة .
برائة وجهه .
طهارة فكره .
وبسمهٌ يصافح بها وجوه الآخرين . ..
فأين قلبي ؟ ! إشتقت إليه . وما هذا القلب الذي أحمله ؟! من صاحبة؟!
أخبرني يا سيدي من سلب قلبي فأستعيده منه ؟!!!!!!!
وضع العجوز يداه على كتف الغلام وضمه إلى صدره وقال ....أشياء كثيره نظل نبحث عنها في حياتنا رغم أنها أقرب الأشياء إلينا !.
نحن الذين سلبنا قلوبنا بأيدينا . أردنا أن نغير فطرة الأشياء التي خلقها الله بها . لم تعد تعجبنا الأشياء القديمة رغم أن أقيم الأشياء أقدمها ...
حاولنا تحديث قلوبنا ففقدنا قيمتها ... فاليوم يا صغيري نفقد قلباً ونغير عقلاً ونقتل حساً . نستنسخ جسداً . فننسى بذلك أنفسنا . نحيا يا ولدي في زمن ٍ لا يعرف قدر الأشياء ...
فبحث عن قلبك القديم في نفسك . حاول أن تجده قبل أن تهلكه ُ الحياه كما أهلكتني . وفتش فيه ِ عن طفولتك . إسترجع الزمان . المكان . الوجوه . الحوار . لأن قلب بلا ذكرى طيبه كدولةٌ بلا تاريخ ليس لها قيمه .
قال الغلام ... أحقاً يا سيدي سأجده في داخلي ؟
أحقاً تضللنا الحياه فيكون الشيء في أيدينا وندور نبحث عنه في الطرقات ؟
غريبه هذه الحياه !!!!!
شكراً إليك يا سيدي . قد أرشدتني . والآن فقط قد عرفت أين أجد قلبي القديم ....
فنطلق الغلام مسرعاً إلى منزله وها هو في غرفته ِ وحيداً
يلملم في بقايا القلب القديم ...................